في وطنٍ اعتاد أبناؤه أن يحملوا أوجاعهم بابتسامةٍ توازي كبرياء الأرز، يمرّ لبنان اليوم في واحدةٍ من أعقد مراحله المعيشية والاقتصادية. الغلاء يلتهم ما تبقّى من قدرات الناس، والرواتب تتبخّر أمام جنون الأسعار، فيما يقف المواطن بين سندان الغلاء ومطرقة اللامبالاة، يسعى يوميًا، بكل ما أوتي من قوة، وراء لقمة عيشٍ كريمة تحفظ له كرامته وتؤمّن لأطفاله أبسط مقوّمات الحياة.
الأسواق تئن، والبيوت تضجّ بالقلق، والكهرباء ما زالت ضيفاً نادراً في ليل البلاد الطويل، في جميع المناطق اللبنانية، شمالًا وجنوبًا، في البقاع والجبل، حيث المعاناة واحدة والوجع مشترك. ومع ذلك، يبقى الأمل حاضرًا في قلوب اللبنانيين الذين اعتادوا أن يحوّلوا الرماد إلى شرارة، والضيق إلى فرصةٍ للنهوض من جديد.
ولا يمكن الحديث عن الأزمة الاقتصادية دون التوقف عند معاناة المودعين الذين ما زالت أموالهم محتجزة خلف جدران المصارف، تُستنزف قيمتها يومًا بعد يوم، فيما يغيب الحل العادل والشفاف. فالمشهد اليوم ضبابي إلى حدّ الإرباك المتعمّد، وكأنّ هناك من يسعى إلى تيئيس المودعين وأصحاب الدعاوى القضائية ودفعهم إلى الاستسلام للأمر الواقع. تتبدّل القرارات وتتضارب التفسيرات، وتبقى الحقوق معلّقة بين محاكم عاجزة ومصارف متسلّحة بالغموض القانوني.
من هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى تثبيت سعر الصرف للدولار على أساسٍ واضح ومستقر، واعتماد هذا السعر في المعاملات القضائية والدعاوى، حتى لا تبقى حقوق الناس رهينة تقلبات السوق وازدواجية القرارات المالية والقانونية. فاستقرار العملة ليس مجرد شأن اقتصادي، بل هو حجر الأساس في إعادة الثقة بين الدولة ومواطنيها، وفي فتح باب العدالة أمام كل مظلوم.
اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، يحتاج لبنان إلى دولةٍ تُنصت إلى وجع الناس لا إلى همسات السياسيين، وإلى مسؤولين يرون في الوطن قضيةً لا غنيمة. فالوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بإرادةٍ صادقة تُعيد للإنسان كرامته، وللبلاد مكانتها بين الأمم.
وائل مهنا
رئيس التحرير – منارة الأرز

